حقيقة
الملا عثمان الموصلي
الذي ظلمته الصحافة العربية
بقلم الباحثة فاطمة الظاهر
ذكرت «رويترز» أن الدولة اللاسلامية في العراق والشام (داعش) دمرت تمثالًا لعثمان الموصلي في الموصل بعد احتلالها المدينة في 10/6/2014. واكتفت (رويترز) بالقول إن صاحب التمثال هو موسيقي وملحن عراقي من القرن التاسع عشر. وقد نُشر هذا الخبر المقتضب جدًا في بعض الصحف العربية من دون أي إيضاح أو شرح أو إضافة، كأن عثمان الموصلي مجرد مغن عابر من المغنين المجهولين، في حين إنه يُعـد لدى عارفي فضله أحد أهم عباقرة الغناء العربي في المائة سنة الأخيرة، فهو أستاذ سيد درويش وعبده الحامولي، وكامل ألخلعي وأبو خليل القباني، وواضع أشهر وأجمل الألحان العربية التي ما برحت شديدة الحضور في القرن الحادي والعشرين.
وهكذا وبعد أن وجهت «داعش» إهانة إلى الثقافة العربية بتدميرها تمثال الملا عثمان الموصلي، شاركت الصحافة العربية بإهانة إضافية حين أهملت، جراء الجهل بالطبع، أهمية هذه الشخصية الفذة.
الملا عثمان الموصلي (1855 – 1923)
ولد عثمان الموصلي عام 1854م في الموصل ، وكان والده الحاج عبد الله يعمل سقاء متوارثاً المهنة عن أجداده ، توفي والده وهو في السابعة من عمره، فقد بصره وهو صغيراً متأثراً بمرض الجدري فعوضه الله بالبلاغة وفصاحة اللسان وألهمه من نعمه في صياغة الالحان ، فضمه جاره محمود بن سليمان العمري إلى أولاده وجعله موضع عناية حيث عين له معلماً حفّظه القرآن، وقد أعجب محمود أفندي بصوت عثمان فخصص له معلماً يعلمه الموسيقى والألحان، فنبغ فيها وحفظ الأشعار والقصائد، وشرع عثمان في تعلم علوم العربية على علماء عصره كالشيخ عمر الأربيلي وصالح الخطيب وعبد الله فيضي وغيرهم وكان يجيد اللغتين الفارسية والتركية.
وعندما توفي محمود أفندي العمري عام 1865 ترك عثمان مدينة الموصل إلى بغداد وكان في العقد الثالث من عمره، وتلقاه بالتكريم أحمد عزة باشا العمري ابن محمود أفندي، وأسكنه عنده واشتهر هناك بقراءة المولد فحفّ به الناس.
درس عثمان صحيح البخاري على يد داؤد أفندي وبهاء الحق أفندي الهندي. وذهب إلى الحج ثم عاد إلى الموصل عام 1886، وتتبع الدرس فيها على يد الشيخ محمد بن جرجيس الموصلي الشهير بالنوري، وأخذ عنه الطريقة القادرية، وهي إحدى الطرق الصوفية الشهيرة في الموصل، وقرأ القراءات السبع على الطريقة الشاطبية على المقرئ الشيخ محمد بن حسن أجازه بها، وسافر إلى إسطنبول حيث تلقاه أحمد عزة باشا العمري، وعّرفه على مشاهير الناس وعلمائهم وأخذ عن الشيخ مخفي أفندي القراءات العشر والتكبيرات وأجازه فيها، ورأى الملا عثمان أن يوسع معارفه فسافر إلى مصر واخذ عن الشيخ يوسف عجور إمام الشافعية القراءات العشر والتهليل والتحميد وأجازه بها. وأصدر وهو في مصر مجلة سماها "المعارف" ولكن لم تطل حياتها.
عاد من مصر إلى الموصل، وكان قد درس في بغداد على يد الشيخ محمود شكري الآلوسي
سافر الملا عثمان إلى اسطنبول أكثر من مرة وأستمع إليه الناس في جامع أيا صوفيا وأعجبوا به وأصبح مقصداً للمجتمع الأدبي والفني. وأهم الشخصيات التي تعرف بها في إسطنبول محمد أبو الهدى الصيادي وأخذ عنه الطريقة الرفاعية، وفتح أمامه آفاقاً بتقديمه إلى السلطان عبد الحميد فقربه السلطان وسمح له دخول قصوره وقصور الحريم متى شاء، وظل الملا عثمان مقرباً من البلاط في إسطنبول وكان موضع عناية الخليفة العثماني، فعينه السلطان عبد الحميد ( الدوله العثمانيه ) في تركياً رئيساً واماماً وممجداً في جامع ( آيا صوفيه ) الذي كان يصلي فيه , وذلك لحلاوة صوته وبلاغته وفصاحة لسانه وكان يعتمد عليه شخصياً في إيفاده إلى بعض أنحاء الإمبراطورية العثمانية لأغراض سياسية، كذلك أرسله السلطان عبد الحميد إلى ليبيا لمعرفة المقاصد السياسية للسنوسي فأكرمه السنوسي أجل إكرام ، كان يخطب في الحج باسم السلطان عبد الحميد بتخويل منه ، وبقي في منصبه حتى تنازل السلطان عبد الحميد عن العرش الى السلطان محمد رشاد , فعاد الى العراق واستقر في بغداد.
ذاع صيته في العراق وتركيا ومصر وبلاد الشام , زار الشام ونال اعجاب المغنين والفنانين , ثم زار بيروت ومنها الى مصر فألتف حوله مشاهير الطرب والغناء أمثال عبده الحمولي ومحمد عثمان , وقد استمع منهم الى الادوار ثم اسمعهم غناء الادوار المصريه فأعجبوا بأداءه , كان عثمان الموصلي موضع حفاوةٍ واجلال واكرام في كل بلد يحل بها التقى عند ذهابه إلى مصر عام 1895 بالموسيقار عبده الحمولي وغيره من رجال الموسيقى والفن ودرسوا عليه فنون الموشحات، والتقى عام 1909 بسيد درويش في الشام، حيث تعلم سيد درويش منه الموشحات وفنون الموسيقى، وقام بتخميس لامية البوصيري واطلق عليها (الهدية الشامية على القصيدة اللامية).
كان شاعراً باللغه العربيه والفارسيه والتركيه , وان اكثر اشعار المواليد النبويه وتلحينها في العراق هي من نظمه وتلحينه , يجيد الضرب على الدف عالماً بالايقاع والاوزان , ملحناً من احسن الملحنين , وقد الف كتباً كثيراً في شتى العلوم أهمها:
- أبيض خواتم الحكم ( في التصوف)
- الطراز المذهب في الادب
- الابكار الحسان
- التوجع الاكبر في حادثة الازهر
لديه كم لا يحصر من الموشحات والاغاني والتي معظمها موشحات وابتهالات دينيه ، حولت فيما بعد الى موشحات واغنيات عاطفية يتغنى بها مشاهير الغناء العربي وأهمل جهلاً صاحبها واشهرها:
«زوروني كل سنة مرة» ، انتشرت هذه الأغنية بسرعة. وأصل هذه الأغنية موشح «زر قبر الحبيب مرة». والتي اقتبسها سيد درويش هي وأغنية » طلعت يا محلى نورها» التي كانت موشحًا للموصلي بعنوان «بهوى المختار المهدي».
ومن موشحات عثمان الموصلي المشهورة «أسمر أبو شامة» وأصلها «أحمد أتانا بحسن وسبانا»، و«فوق النخل فوق» التي هي بالاصل ابتهال «فوق العرش فوق»، و»ربيتك زغيرون حسن» الذي كان في الأصل «يا صفوة الرحمن سكن». أما أغنية «يا أم العيون السود» فقد اشتهرت بصوت ناظم الغزالي وانتشرت في معظم أنحاء العالم العربي، وهي من ألحان... الموصلي.
من شعره
قدك المياس يا عمري يا غصين البان كاليسري أنت أحلى الناس في نظري جل من سواك يا قمري
قدك المياس مد مال لحظك الفتان قتالا هل لوصل خلدك لا لا فاقطع الآمال وانتظري
أنا وحبيبي في جنينة والورد مخيم علينا إن طلب مني وصالو يا رب تستر علينا
عيونك سود يا محلاهم قلبي تلوع بهواهم صار لي سنتين بستناهم حيرت العالم في أمري ..
الباحثة فاطمة الظاهر
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق