![]() |
الباحث والمفكر العربي والاسلامي فلاح أديهم المَسلَم
|
العلمانية الملتحية والعلمانية الحليقة
عسى - فلاح أديهم المَسلَم - الأردن
الناشطون سياسيّا من غير المتدينين يرفعون شعار العلمانية في وجه بعض نظرائهم من المتدينين , ويرفضون بشدّة تسيس الدين بحجج كثيرة ألطفها وأكثرها تهذيبا قولهم أنّ الدين (مقدّس) والشأن السياسي (مدنّس) , فيجب ابعاد المقدّس عن المدنّس لئلا يلوّثه , ومن حججهم أنّ الدين يفرّق , والعلمانية تجمع الجميع تحت مفهوم المواطنة ...... الخ .
ولست هنا بمقام حشد حجج القوم ومناقشتها , ولكنني أود الإشارة إلى أحد أسرار هذه المعركة بين الطرفين , وهذا السرّ غالبا ما تجده في لحن القول , وما بين السطور , وقلّما يُصرَّح به .
السرّ هذا لا علاقة له بمفاهيم الدين ولا مفاهيم العلمانية , وأيهما أصلح لبني الإنسان , ولكن له علاقة بتوظيف الدين أو التدين بتعبير أصح في معركة المنافسة السياسية بين الطرفين فثمّة علمانيون متدينون يوظفون تدينهم في معركتهم أو منافستهم مع الآخرين , ونظرا لجهل الناس بالإسلام فإنّهم ينخدعون بالمظهر , ويعتبرون المتدين ممثّلا للإسلام وإن كان يسعى لإقامة دولة علمانية ذات قوانين وضعية لا تختلف عن أيّ دولة علمانية أو يسعى للوصول إلى مجلس نواب في ظلّ دولة علمانية لا علاقة لها بالإسلام , وخطورة هذا الصنف على منافسيه من غير المتدينين تتمثّل في أمرين :
الأول : ما يلقاه من قبول عند الناس لما ترسّخ في وجدناهم بأنّ الإسلام هو الحلّ وهو المنقذ , ولما ترسّخ في وجدانهم بأنّ المتدين أفضل من غير المتدين .
الثاني : أنّ هذا الصنف غير ملزم بتقديم شيء للناس , فيكفي أن يقنعهم بأنّ وقوفهم معه هو طريق الجنّة , واكتساب الحسنات , والفوز بالأجر العظيم .
لذلك يعجّ منافسه غير المتدين ويضج ويصرخ لأنّه أمام خصم يتاجر بالدين ليحظى بتأييد الجماهير , فيفوز بالمناصب والمكاسب , ولا أراني محتاج لضرب أمثلة مما نعرفه في الداخل أو ما شاهدناه في بعض الأقطار ........
ومن طرائف ما يروى عن وضع اليمن أنّ أحد قادة الأحزاب العلمانية علّق على حزب إسلامي له حضوره ووجوده في اليمن قائلا : هم علمانيون مثلنا , ولكنّهم ماهرون في أساليب كسب المال وتثميره أو كلاما بهذا المعنى ......
ومن الطرائف أنّه في ذات انتخابات بلدية ترشّح للرئاسة شخصان أحدهما متدين ولكنّه ضعيف جدّا لا يصلح لأيّ شأن من الشؤون العامّة , والآخر غير متدين ولكنّه ذو كفاءة تؤهله للقيام بمنصب الرئاسة , فجاءني أحد المتدينين البسطاء وقال لي مستنكرا : كيف تدعم فلان وهو ما قد علمت , ولا تقف مع فلان وهو متدين !
قلت له : لو كنّا نريد إماما للصلاة لقدمت صاحبك , ولكننا نريد رئيسا للبلدية وصاحبك لا يصلح لذلك , وفلان هو الأقدر ..... ألم تعلم أنّ عمر بن الخطاب عندما سئل عمّن يفضل ليستخدمه في العمل الحكومي : القوي الفاجر أم المؤمن الضعيف , فقال : القوي الفاجر أفضل لأنّ قوته لنا وفجوره على نفسه , أمّا المؤمن الضعيف فإيمانه له وضعفه علينا .
وغنيٌّ عن القول أنّ هذا التعليل لهذا الصراع لا ينطبق على الذين يحملون الإسلام بصفته أيدلوجية فكرية ذات منظومة تشريعية , ويناضلون لأجل وضعها موضع التنفيذ في دولة تقوم على أساسها , وتسير وفق منظومتها ومفاهيمها , فهذه الفئة تخالف الفئتين السابقتين , وتعتبرهما وجهان لعملة واحدة , وإن كانت إحداهما ملتحية والثانية حليقة .
لذلك عندما ننظر لهذا الصراع يجب أن نميّز بين الفئتين اللتين تعملان داخل دائرة (أبي المعالي ), وأعني بهما العلمانية الحليقة والعلمانية الملتحية , وبين تلك الفئة التي تعمل خارج الدائرة , وتحمل مشروعا إسلاميا متكاملا لبناء دولة تختلف عمّا عهدناه من الدول .
فلاح أديهم المسلمي
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق